قال علي عليه‌السلام : إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا؛ امير مومنان عليه‌السلام مي‌فرمايند: همانا براي شما بهايي جز بهشت نيست، پس به کمتر از آن نفروشيد. (نهج‌البلاغه، حکمت456)

 

المرحلة الثالثة

فصل

44ـ قوله «في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ»

الظاهر أنّ تقسيم الوجود إلى الذهنيّ والخارجيّ من الأبحاث المستحدثة في الفلسفة الإسلاميّة، حتّى أنّ الشيخ في الشفاء لم يتعرّض له استقلالاً، بل قال في ردّ القائلين بالثابت والحال: «وإنّما وقع اولئك في ما وقعوا فيه بسبب جهلهم بأنّ الإخبار إنّما يكون عن معانٍ لها وجود في النفس وإن كانت معدومة في الأعيان ـ إلى أن قال ـ فبيّنٌ أنّ المخبر عنه لا بدّ من أن يكون موجوداً وجوداً مّا في النفس»(1) وتبعه تلميذه في التحصيل(2) وشيخ الإشراق في المطارحات.(3) وقال في موضع آخر من التحصيل: «المعدوم في الأعيان محكوم عليه بأحكام وجوديّة، فيجب أن يكون له وجود مّا، فإذ ليس في الأعيان فهو في النفس».(4)

ثمّ الظاهر أنّ الذي أوجب طرح مسألة الوجود الذهنيّ هو ردّ شبهات القائلين بثبوت المعدوم، كما هو اللائح من أكثر ما أشرنا إليه. وأوّل من طرحها كمسألة


1. راجع: الفصل الخامس من المقالة الاُولىٰ من إلهيّات الشفاء.

2. راجع: التحصيل: ص‌‌289.

3. راجع: المطارحات: ص‌203.

4. راجع: التحصيل: ص‌‌489.

مستقلّة ـ في من نعلم ـ هو الرازيّ في المباحث المشرقيّة(1) والمحقّق الطوسيّ في التجريد، لكنّهما أتبعاها للبحث عن زيادة الوجود على المهيّة، وكأنّهما لمّا لاحظا أنّ هذه الزيادة إنّما تكون في الذهن بادرا إلى إثبات الوجود الذهنيّ.

وكيف كان فمعنى الوجود الذهنيّ عند مثبتيه أنّ للمهيّة وجودين: وجوداً خارجيّاً تترتّب عليه الآثار، ووجوداً آخر لا تترتّبُ عليه تلك الآثار، وهذا الوجود الثاني بما أنّه لا تترتّب عليه تلك الآثار يسمّى بالوجود الذهنيّ بالقياس إلى الوجود الخارجيّ، وإن كان بصرف النظر عن هذه المقايسة وجوداً عينيّاً له آثاره الخاصّة به.

والمنكرون للوجود الذهنيّ على صنفين: منهم من أنكر وجود الذهن وقال بأنّ العلم يحصل بإضافة بين النفس والخارج، ومنهم من لم ‌ينكر وجود الذهن ولكنّهم أنكروا كون الموجود في الذهن وجوداً آخر للمهيّة الموجودة في الخارج. وهؤلاء أيضاً تفرّقوا على قولين: أحدهما أنّ الموجود في الذهن شبح للموجود الخارجيّ يحاكيه محاكاة التمثال لذي التمثال، وثانيهما أنّ الموجود في الذهن لا يحاكي الخارج وإنّما يرمز إليه رمزاً من غير أن نعرف من حقيقته شيئاً.

فعلى المثبتين للوجود الذهنيّ أن يستدلّوا أوّلاً على وجود الذهن والصور والمفاهيم الذهنيّة، وثانياً على كونها محاكية للموجودات العينيّة ومطابقة لها. وجميع ما تُمسّك به لإثبات الوجود الذهنيّ ناظر إلى الجانب الأوّل من المسألة كما تلاحظ في المتن. والحقُّ أنّ وجود الذهن والصور والمفاهيم الذهنيّة ثابت بالعلم الحضوريّ ولا يحتاج إلى البرهنة عليه، فما يذكر دليلاً في هذا المجال لا يعدو حدَّ التنبيه لأجل إلفات نظر الغافل ودفع ما ربما يبدو من شبهة. وأما إثبات مطابقة الموجود الذهنّي للخارجي فهو أمر وقعت حوله مناقشات عند الغربيّين ولم


1. راجع: المباحث المشرقيّة: ج‌1، ص‌41؛ والمسألة الرابعة من الفصل الأوّل من الشوارق؛ والأسفار: ج‌1، ص‌‌326ـ363؛ وشرح المنظومة: ص‌‌22ـ33.

‌يحتلّ مقامه بعدُ في الفلسفة الإسلاميّة، واكتفى الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) لإثبات المطابقة بردّ القولين الآخرين. ولهذه المسألة صلة وثيقة بمسائل العلم والإدراك، وسوف تلاحظ تكرُّر بعض الأبحاث المذكورة ههنا في مبحث العلم، وقد مرّ اقتراح تقديم مسائل العلم على سائر المسائل الفلسفيّة.

45ـ قوله «ولا نرتاب أنّ جميع ما نعقله من سنخ واحد»

دفع لإشكال مقدّر هو أنّ هذين الوجهين إنّما يثبتان الوجود الذهنيّ للكليات والمعدومات دون الجزئيات الموجودة، فأنّه يندفع بالرجوع إلى الوجدان، حيث لا نجد فرقاً بين الفريقين في نحو التصوّر والإدراك ولا نرتاب أنّ الجميع من سنخ واحد، فجميعها موجودة في الذهن. وقد زاد في البداية(1) تبعاً لشرح المنظومة(2) وجهاً ثالثاً بجعل الكلّية والصرافة وجهين، وتمسّك في الأسفار(3) بتقدّم العلّة الغائيّة تصوّراً، وبتأثير بعض التخيّلات كتصوّر الحموضة وغيرها في الآثار العينيّة.

46ـ قوله «الأمر الأوّل...»

اعلم أنّ للمنكرين للوجود الذهنيّ شبهات(4) سيأتي ذكرها، ولمّا كان مفتاح حلّ جلّها التمييزَ بين الحمل الأوّليّ والحمل الشائع تصدّى لبيان الفرق بينهما تبعاً لصدر المتألّهين،(5) وحاصل ما ذكره أنّ للمهيّة الموجودة في الذهن حيثيّتين


1. راجع: البداية: ص‌23.

2. راجع: شرح المنظومة: ص‌‌23.

3. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌275؛ والتحصيل: ص‌489.

4. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌‌277ـ326؛ وج3: ص‌305ـ312؛ والفصل الثامن من المقالة الثالثة من الهيات الشفاء؛‌ وتعليقة صدر المتألّهين على إلهيّات الشفاء: ص‌‌126ـ139.

5. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌292ـ298.

مختلفتين لكلّ منها حكمها الخاصّ بها: إحداهما حيثيّة المحتوى المفهوميّ، والاُخرى حيثيّة الوجود في الذهن. فأمّا من الحيثيّة الاُولىٰ فتحمل عليها نفسها وأجناسها وفصولها، وهو حمل أوّليّ مناطه الاتّحاد في المفهوم، فما يثبت لها من هذه الحيثيّة لا يتجاوز حدّ المفهوم. فمفهوم الإنسان ينحلّ إلى «الجوهر، ذي الأبعاد الثلاثة، النامي، الحسّاس، المتحرك بالإرادة، الناطق» مثلاً، وتحمل عليه تلك المفاهيم بما أنّه متضمّن لها ومتّحد بها. لكن لا يستلزم هذا الحمل كون الإنسان الذهنيّ من مصاديق الجوهر والجسم والحيوان والإنسان، بحيث يصحّ حمل تلك المفاهيم عليه بالحمل الشائع الذي مناطه الاتّحاد في الوجود، فيتوقّع ترتّب آثارها عليه، فالإنسان الذهنيّ لا ينمو ولا يحسّ ولا يتحرّك بالإرادة ولا يعقل شيئاً. وأمّا من الحيثية الثانية فهو موجود عينيّ له ماهيّته الخاصّة به، وتحمل عليه بالحمل الشائع وتترتّب عليه آثارها، والمشهور أنّه كيف نفسانيّ.(1) ومن هذه الحيثية لا تحمل عليه تلك المفاهيم المذكورة. فمعنى قولهم انّ الموجود في الذهن متّحد مع الموجود في الخارج من حيث المهيّة أنّ ما يحمل من المفاهيم الذاتيّة على الموجود الخارجيّ بالحمل الشائع يصحّ حملها على الموجود في الذهن بالحمل الأوّليّ من حيث محتواه المفهوميّ. ثمّ إنّ للمفهوم الموجود في الذهن حيثيّةً ثالثة ستأتي الإشارة إليها في دفع الإشكال الرابع.

47ـ قوله «وأمّا تقسيم المنطقيّين...»

اعلم أنّ للفرد الذهنيّ ثلاثَ إطلاقات: أحدها كون الموضوع في الحمل الأوّلي


1. وقد استشكل الحكيم السبزواريّ كونه كيفاً نفسانيّاً بالذات، فراجع: شرح المنظومة: ص‌‌31؛ وبداية الحكمة: ص‌‌28؛ وتعليقة الاُستاذ على الأسفار: ج‌1، ص‌‌298.

(كمفهوم الإنسان) فرداً لمحموله (كالحيوان) كما مرّ في بيان الحيثيّة الاُولىٰ. وهو إطلاق مسامحيّ كما أشار إليه في المتن. وثانيهما كون مفهوم ذهنيّ فرداً لمعقول ثانٍ منطقيّ كالإنسان بالقياس إلى الكلّي في قولنا «الإنسان كلّي» وهو إطلاق حقيقيّ. وثالثها كون مفهوم موجود في الذهن باعتبار وجوده فرداً من مهيّة كالكيف النفسانيّ أو مصداقاً لعنوان ثان فلسفيّ كالممكن، فباعتبار كون الذهن ظرفاً لهذا الموجود العينيّ يقال إنّه فرد ذهنيّ، وهو أيضاً إطلاق حقيقيّ بصرف النظر عن الاصطلاح الذي يفرّق بين الفرد والمصداق فيختصّ الفرد بما تحمل عليه المهيّة، ويختصّ المصداق بما تحمل عليه المعقولات الثانية.

48ـ قوله «وإشكال ثان...»

الفرق بين الإشكالين أنّ الأوّل يختصّ بالجوهر بخلاف الثاني حيث يعمّ جميع المقولات. وربما يتصوّر فرق آخر بينهما، وهو كون المحذور في الإشكال الثاني أشدّ،(1) لأنّ المحذور المذكور في الإشكال الأوّل كون شيء واحداً جوهراً وعرضاً معاً، وحيث إنّ العرض ليس جنساً عالياً على المشهور بل هو مفهوم عرضيّ يحمل على الأجناس التسعة فلا يلزم منه اندراج شيء واحد تحت مقولتين، بخلاف المحذور المذكور في الإشكال الثاني، لكنّه ليس بشيء، لأنّ صدق العرض على شيء لا يتحقّق إلاّ باندراجه تحت أحد الأجناس العرضيّة، وهو الكيف في ما نحن فيه. والأولى جعل الإشكالين إشكالاً واحداً بأن يجعل المحذور اندراج شيء واحد تحت نوعين أو جنسين، وبعبارة اُخرى: صيرورته ذا مهيّتين، فإنّ المحذور المزعوم في الإشكال الثاني لا ينحصر في الاندراج تحت مقولتين، فمحذور تعقّل الكيف المبصر مثلاً هو اندراجه تحت نوعين من


1. راجع: شرح المنظومة: ص‌‌25؛ وبداية الحكمة: ص‌24.

جنس واحد. وقد أجاب الفاضل القوشجيّ والمحقّق الدوانيّ والسيّد صدر الدين بأجوبة اُخرى(1) عن هذا الإشكال.

49ـ قوله «وإشكال رابع...»

وهو أنّه يلزم من قبول الوجود الذهنيّ كون مفهوم واحد (كالإنسان مثلاً) كلّياً وجزئيّاً معاً. وقد عدل في الجواب عمّا ذكره في وجه اندفاع سائر الإشكالات من الفرق بين الحمل الأوّلي والشائع، لأنّ حمل الكلّي والجزئيّ على الإنسان يكون حملاً شائعاً لاختلاف مفهومه عن مفهومي الكلّي والجزئيّ كليهما، فلا يأتي الجواب المذكور. وحاصل ما أفاده في الجواب عنه هو أنّ للإنسان الموجود في الذهن حيثيّة اُخرى غير حيثيّة مفهومه بما أنّه مفهوم، وغير حيثيّة وجوده في الذهن بما أنّه وجود عينيّ والتي هي ملاك حمل «الجزئيّ» عليه، وهي حيثيّة كونه وجوداً ذهنيّاً مقيساً إلى وجودات عينيّة متعدّدة يصحّ حمله على كلّ واحد منها. وهذه هي الحيثيّة الثالثة التي وعدنا ذكرها تحت الرقم (46) والتي تكون ملاكاً لحمل «الكلّي» عليه حملاً شائعاً. وهذا نظير ما ذكرنا حول قضيّة «الجزئيّ جزئيّ» أنّ للجزئيّ الواقع موضوعاً في هذه القضيّة ثلاث حيثيّات، تحت الرقم (35).

50ـ قوله «ويندفع بذلك إشكال...»

حاصل الإشكال أنّه على القول بالوجود الذهنيّ ومطابقة ما في الذهن لما في الخارج يلزم تحقُّق صورة المرئيّات الكبيرة بكبرها في جزء صغير من البدن، وهو


1. راجع: في ما يتعلّق بهذا البحث: الفصل الثامن من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء؛ وتعليقة صدر المتألّهين على إلهيّات الشفاء: ص‌‌126ـ135؛ والمباحث المشرقية: ج‌1، ص‌338؛ والمطارحات: ص‌‌224 و 229؛ والمقاومات: ص‌‌133.

محال. والجواب أنّ الذهن ليس هو الدماغ بل هو من شؤون النفس المجرّدة، والصورة الحاصلة فيه أيضاً مجرّدة على ما سيأتي في باب العلم، والقول بالوجود الذهنيّ لا يستلزم تطابق الصورة لذي الصورة من حيث التجرّد وعدمه، لأنّ التجرّد وصف وجودها الذي يحمل عليه بالحمل الشائع، والتطابق إنّما يلزم بين محتواها الإدراكيّ وبين الخارج، فالذي يحمل على الصورة من الأوصاف المادّيّة يحمل عليها بالحمل الأوّليّ، فتذكّر.

وأمّا الجواب عن هذا الإشكال بأنّ الجزء الدماغيّ وإن كان صغيراً إلاّ أنّه قابل للقسمة إلى غير النهاية، ومن هذه الحيثيّة يكون قابلاً لانطباع صورة كبيرة فيه، فلا يجدي شيئاً. لأنّ من الواضح أنّ الكفّ مع كونها قابلة للقسمة إلى غير النهاية لاتسع الجبل. والسرّ فيه أنّ الكبر والصغر وصفان للكم المتّصل والمقدار الهندسيّ وأمّا التناهي واللاتناهي المذكوران فهما وصفان للعدد الذي يعرض الأجزاء المفروضة من المقدار وهو كمّ منفصل. فعدم تناهي العدد المفروض لا يدفع الإشكال الوارد على صغر الحجم والكم المتّصل. على أنّ العدد الغير المتناهي لا يتحقّق بالفعل أبداً، لأنّ الأجزاء المفروضة غير موجودة بالفعل، والمتحقّق بالفعل هو الكلّ الواحد، وكلّما تحقّقت قسمة تحقّق عدد خاصّ متناه.

آدرس: قم - بلوار محمدامين(ص) - بلوار جمهوری اسلامی - مؤسسه آموزشی و پژوهشی امام خمينی(ره) پست الكترونيك: info@mesbahyazdi.org